ترجمة: صفاء مسعود - نقلاً عن موقع رصد الإلكتروني
دائما ما تاتي النتائج بالاخوان فى مقابل الجيش،
فاكثر من 1000 شهيد و12000 مسجون وحالات تعذيب واغتصاب, والقيادة العسكرية والمنظمات السياسية الدينية التي أنشئت حديثاً لم تفعل شيئا لتحسين مستوى معيشة الأغلبية العظمى من المواطنين فى مصر منذ رحيل الرئيس مبارك وحتى الآن، فأكثر قوتين معتدلتين سياسيا واقتصاديا فى البلاد تتجه دائما نحو مواجهة بعضها البعض بشكل مباشر من اجل السيطرة على المرحلة الانتقالية فى البلاد والوصول الى حكم مدني.
ماذا كان الغرض من الـ 18 يوم والايام التي تبعتها؟ هل كانت ثورة الكرامة مجرد وهم ؟ هل هؤلاء الذين قتلو فى التحرير, الاسكندرية, ماسبيرو, محمد محمود, بورسعيد والعباسية ماتو من اجل لا شيء؟
كان من الممكن ان ينقذ مبارك والمجلس العسكري انفسهم من المتاعب كما كان واضحا منذ زمن وذلك اذا اعطو الفرصة للاخوان المسلمين قبل بضع سنوات وسمحو لهم بالعمل دون عوائق بالبرلمان او الرئاسة. فالنتيجة لن تكون مختلفة كثيرا عما هي عليه الان, ولكن كان من الممكن ان يتمتعتو بنفس القوى التي عليها المجلس العسكري اليوم - وربما أكثر من ذلك.
ولكن فى حين ان الكثير من الناس ينتقدون القوى المستعرضة من الاخواني "محمد مرسي" ومن فلول النظام "احمد شفيق", فهناك اسباب جيدة جدا توضح لماذا هذه القوى التي يمثلونها ظهرت على القمة, ولماذا من اجل مستقبل مصر المعتدل وبعيد المدى مثل هذه النتيجة ليست بالضرورة ان تكون امرا سيئا.
الحاجة الى بناة لمؤسسة الدولة
ينتخب المصريون رئيس جديدا لهم فى مرحلة مابعد مبارك
وعلى الرغم من الفوز الذي حققته جماعة الاخوان المسلمين فى الاشهر القليلة الماضية وتجنبهم للعمل مع المجلس الاعلى للقوات المسلحة, وبعد كسر تعهدهم بعدم تقديم مرشحا للرئاسة,فاقوتهم التنظيمية الهائلة تؤكد انه اي كان فاسيكون مرشحهم ضمن اعلى اثنين او ثلاثة من الفائزين باصوات فى حين ان نجاحه متوقف على اكثر من مجرد قدرة الاخوان على توصيل المنتمين اليهم الى مراكز الاقتراع.
وقد أمضى الاخوان افضل وقت لهم خلال القرن الماضي حيث كان عملهم بمثابة البنية الاساسية والتنظيمية والاولية فى تقديم الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات والرعاية للمحتاجين, وذلك فى الوقت التي لم تكن فيه الدولة المصرية قادرة او مستعدة لتقديم مثل هذه الخدمات. ولذلك فان الملايين من المصريين كان لديهم الولاء الكافي للتنظيم لاعطائه الفرصة لادارة البلاد. وفى نقاش لي مع العديد من المصريين بعد الانتخابات البرلمانية فى الخريف الماضي قالو " نحن نشكر الثوار ولكن هل كانو يعتقدون اننا سنصوت لمجموعة من الشباب الصغار لم يسبق لهم عمل اي شيء فى حياتهم؟ فاعلى الاقل جماعة الاخوان المسلمين لديها سجل واضح فى ادارة مؤسسة كبيرة. فاهم الجماعة الوحيدة التي تملك الخبرة الكافية للقيادة ونحن مدينون لهم بفرصة للقيام بذلك."
والحقيقة ان الطريقة الوحيدة التي يمكن لمصر ان تشرع من خلالها فى عمل اصلاحات جذرية ضرورية لتطوير الاقتصاد على نحو يخدم مصالح الغالبية العظمى من الشعب هي بناء هيكل واساس جديد للدولة خارج سيطرة الجيش والنخبة الموجودة.
ويمكننا القول بان اي شخص من خارج النخبة الذين لا يملكون الموارد التنظيمية والقوى لبناء اسس بديلة لتلك المتواجدة على مستوى القاعدة - هو شخص يستطيع خلق شبكات سياسية واقتصادية جديدة لتتحدى تلك الفاسدة والغير متكافئة المتواجدة حاليا - شخص يمكنه الوقوف وانتهاز اي فرصة لتغيير قواعد الاقتصاد السياسي فى مصر. فاحتى وان كانت هذه النخبة لديها المزيد من التنظيم والخبرة السياسية فالمرشحين الاكثر "ثورية" سيكون من المستحيل تقريبا ان يكون لديهم الوقت لخلق هايكل تنظيمية موازية للدولة ثم يجذبون الناس لها ببطئ. ولذلك عليهم ان يتعاونو او سيتم مضغهم وابتلاعهم من قبل النظام الذي تعهدو بتفكيكه.
فجماعة الاخوان المسلمين والتي لديها القوى التنظيمية والعقائدية الكفاية لجعلها على الاقل تجري محاولة عادلة فى البداية كاساحة للتغير. حيث انها منحت ومنذ عقود خدمات للمصريين فى مجالات عديدة فى الحياة الاجتماعة مما اعطاها الحق فى طلب الثقة من الشعب وكذلك طلب اصواتهم.
ولكن فى الوقت نفسه واثناء العشرين عاما الماضية فاكان للاخوان المسلمين تحرك بطيء ولكنها اصبحت جزء من النخبة الاقتصادية التي يجب الحد منها من اجل اصلاح جاد. حيث انشئت جماعة الاخوان مؤسسات اقتصادية خاصة بها والتي اصبحت ناجحة جدا - كما اتضح فيما بعد عن طريق مرشح الاخوان المسلمين للرئاسة المستبعد "خيرت الشاطر" وكذلك عن طريق العلاقات الشخصية على سبيل المثال الزواج من عائلات النخب.
انها كانت فقط مسألة وقت قبل ان تندمج جماعة الاخوان المسلمين والتي على الرغم من عملها لعقود فى العمل الخيري من اجل الفقراء - وفى حين لم يكن هناك دعم للحقوق السياسية والاقتصادية للطبقة العاملة, حيث اصبحت الجماعة اكثر اندماجا فى النظام القائم. والثورة هي التي دفعت بهذا الجدول الزمني بضع سنوات للامام.
فى الواقع كان هناك اختيار بين العمل معهم كحركة والمشاركة فى العديد من الخدمات التي يحكمها قيم أساسية ولكن دعمها يحتاج الى توظيف سياسي, وبين العمل مع تلك التي كان يحركها جمال مبارك وعدد من الاعضاء الصغار من النخب الاقتصادية التي لها بعض الولاء والاتصال بالمجلس العسكري - والتي تدعم برنامجا متحررا من شانه أن يتحدى السيطرة العسكرية على الاقتصاد - فالثورة كانت سببا فى جعل المؤسسة العسكرية تظهر وكانها تفعل الصالح وذلك عن طريق إزالة عدو أكثر خطورة وهو النظام السابق.
ولم يكن الشعب والجيش ابدا "يدا واحدة" ولكنه كان من الواضح دائما ان التخلص من مبارك هو الاهم حيث كان هدف واحد حقيقي مشترك بينهم.
كن على حذر مما ترغب
اذا كان هناك جانب مضيء فى سيناريو العيش اما مع برلمان ورئاسة يهيمن عليهم جماعة الاخوان المسلمين و / او المقربين لمبارك, فان هناك توقعات ضخمة وشبه مؤكدة ان من سيفوز بالرئاسة سيقابل الفشل الزريع كرئيس وانه لن يستطيع تحقيق معظم وعوده، واذا كان هناك شيء واحد قد اصبح واضحا فى الـ 16 شهرا الماضية, فهو ان الدولة العميقة فى مصر هي اعمق من ما يتصور معظم الناس, والمجلس العسكري والنخبة الاقتصادية التي تمثله وتحميه لن يتركو احداث يشاركهم فى حصتهم او ثروتهم دون قتال دموي.
وقد اعرب عدد من النشطاء لي عن انه اي كان الفائز فى هذه الانتخابات فانه سيجد صعوبة فى تغيير النظام الذي لا يزال راسخا, وان هؤلاء الذين يقدمون انفسهم على انهم اكثر القوى القادرة على قيادة البلاد نحو مستقبل افضل سواء كان شفيق او مرسي سيواجهون من وجهة نظرهم فشل لا مفر منه فى المستقبل.
واخيرا على القوى الثورية الحقيقة استغلال السنوات القليلة المقبلة بحكمة ومحاولة بناء جذور ثقة بينها وبين الطبقة العاملة خاصة فى المناطق الريفية عن المناطق الحضرية وكذلك محاولة تطوير الخطاب السياسي الذي ادى فى كثر من الاحيان الى انقسامات سواء علمانية او دينية وغيرها من تلك الخطابات التي ادت الى تقسيم الشعب, وايضا محاولة لعب دور اكبر كثيرا فى المستقبل مما نشهده اليوم. فالانتخابات الرئاسية هذا العام 2012 ستثبت انها كانت منحنى حاسم فى طريق الثورة والتي على الرغم من الاحداث المحزنة التي تسيطر هذه الايام الا انه لا تزال هناك فرص مفتوحة على مصرعيها وممتدة نحو المستقبل.
* "مارك ليفين" هو كاتب امريكي واستاذ تاريخ الشرق الاوسط بجامعة كاليفورنيا فى ايرفين, وحاليا استاذ زائر فى مركز دراسات الشرق الاوسط بجامعة لوند فى السويد, ومؤلف لكتاب عن الثورات فى العالم العربي بعنوان "الخمس سنوات من العمر التي اطاحت بفرعون" سيصدر قريبا
0 التعليقات:
إرسال تعليق